كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



447- الحَدِيث السَّادِس:
رُوِيَ أَن رُؤَسَاء من الْمُشْركين قَالُوا لرَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَو طردت هَؤُلَاءِ الْأَعْبد عَنَّا يعنون فُقَرَاء الْمُسلمين وهم عمار وصهيب وخباب وسلمان وَأَضْرَابه وأرواح جِبَابهمْ وَكَانَت عَلَيْهِم جباب من صوف جلسنا إِلَيْك وحدثناك فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَنا بطارد الْمُؤمنِينَ». قَالُوا فأقمهم عَنَّا إِذا جِئْنَا فَإِذا قمنا فَأَقْعَدَهُمْ مَعكُمْ إِن شِئْت قَالَ: «نعم طَمَعا فِي إِيمَانهم».
وَرُوِيَ أَن عمر قَالَ لَهُ لَو فعلت حَتَّى نَنْظُر إِلَى مَا يصيرون قَالَ فَاكْتُبْ بذلك كتابا فَدَعَا بالصحيفة وبعلي ليكتب فَنزلت فَرَمَى بالصحيفة وَاعْتذر عمر من مقَالَته.
قَالَ سلمَان وخباب فِينَا نزلت وَكَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقْعد مَعنا وَنَدْنُو مِنْهُ حَتَّى تمس ركبنَا ركبته وَكَانَ يقوم عَنَّا إِذا أَرَادَ الْقيام فَنزلت {واصبر نَفسك مَعَ الَّذين يدعونَ رَبهم} فَترك الْقيام عَنَّا إِلَى أَن نقوم وَقَالَ: «الْحَمد لله الَّذِي لم يُمِتْنِي حَتَّى أَمرنِي أَن أَصْبِر نَفسِي مَعَ قوم من أمتِي مَعكُمْ الْمحيا وَمَعَكُمْ الْمَمَات».
قلت: رَوَاهُ ابْن ماجة فِي سنَنه فِي كتاب الزّهْد مَعَ تغير يسير من حَدِيث أبي سعيد الْأَزْدِيّ عَن أبي الكنود عَن خباب بن الْأَرَت فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تطرد الَّذين يدعونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي} إِلَى قَوْله: {فَتكون من الظَّالِمين} قَالَ جَاءَ الْأَقْرَع بن حَابِس وعيينة بن حصن الْفَزارِيّ فوجدوا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ صُهَيْب وبلال وعمار وخباب قَاعِدا فِي نَاس من الضُّعَفَاء من الْمُؤمنِينَ فَلَمَّا رَأَوْهُمْ حول النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقرُوهُمْ فَأتوهُ فَخلوا وَقَالُوا إِنَّا نُرِيد أَن نجْعَل لنا مِنْك مَجْلِسا تعرف لنا الْعَرَب فضلنَا فَإِن وُفُود الْعَرَب تَأْتِيك ونستحي أَن تَرَانَا الْعَرَب مَعَ هَذِه الْأَعْبد فَإِذا نَحن جئْنَاك فأقمهم عَنْك فَإِذا نَحن فَرغْنَا فَاقْعُدْ مَعَهم إِن شِئْت قَالَ: «نعم» قَالُوا فَاكْتُبْ لنا عَلَيْك كتبا فَقَالَ دَعَا بِصَحِيفَة ودعا عليا ليكتب وَنحن قعُود فِي نَاحيَة فَنزل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقال: {وَلَا تطرد الَّذين يدعونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي يُرِيدُونَ وَجهه مَا عَلَيْك من حسابهم من شَيْء وَمَا من حِسَابك عَلَيْهِم من شَيْء فَتَطْرُدهُمْ فَتكون من الظَّالِمين} ثمَّ ذكر الْأَقْرَع بن حَابِس وعيينة فَقَالَ: {وَكَذَلِكَ فتنا بَعضهم بِبَعْض لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ من الله عَلَيْهِم من بَيْننَا أَلَيْسَ الله بِأَعْلَم بِالشَّاكِرِينَ} ثمَّ قَالَ: {وَإِذا جَاءَك الَّذين يُؤمنُونَ بِآيَاتِنَا فَقل سَلام عَلَيْكُم كتب ربكُم عَلَى نَفسه الرَّحْمَة} قَالَ فَدَنَوْنَا مِنْهُ حَتَّى وَضعنَا ركبنَا عَلَى ركبته وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يجلس مَعنا فَإِذا أَرَادَ أَن يقوم قَامَ وَتَركنَا فَأنْزل الله: {واصبر نَفسك مَعَ الَّذين يدعونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي يُرِيدُونَ وَجهه وَلَا تعد عَيْنَاك عَنْهُم} وَلَا تجَالس الْأَشْرَاف {وَلَا تُطِع من أَغْفَلنَا قلبه عَن ذكرنَا} يَعْنِي عُيَيْنَة والأقرع {وَاتبع هَوَاهُ وَكَانَ أمره فرطا} هَلَاكًا قَالَ أَمر عُيَيْنَة والأقرع ثمَّ ضرب لَهُم مثلا الرجلَيْن.
وَمثل الْحَيَاة الدُّنْيَا قَالَ الْخَبَّاب فَكُنَّا نقعد مَعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذا بلغنَا السَّاعَة الَّتِي نقوم قمنا وَتَرَكْنَاهُ حَتَّى يقوم انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه فِي كتاب الْفَضَائِل ثَنَا أَحْمد بن الْمفضل ثَنَا أَسْبَاط بن نصر عَن السّديّ عَن أبي سعيد الْأَزْدِيّ بِهِ.
وَمن طَرِيق ابْن أبي شيبَة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية فِي تَرْجَمَة خباب.
وَرَوَاهُ ابْن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده وَأَبُو يعْلى الْموصِلِي وَكَذَلِكَ الْبَزَّار وَقَالَ لَا نعلم رَوَاهُ إِلَّا خباب وَلَا طَرِيقا لَهُ غير هَذَا الطَّرِيق انْتَهَى.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان فِي الْبَاب الْحَادِي وَالسبْعين والواحدي فِي أَسبَاب النُّزُول من حَدِيث سُلَيْمَان بن عَطاء الْحَرَّانِي عَن مسلمة بن عبد الله الْحَنَفِيّ عَن عَمه أبي مشجعَة بن ربعي عَن سلمَان قَالَ جَاءَت الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُيَيْنَة بن بدر والأقرع بن حَابِس وذووهم فَقَالُوا يَا رَسُول الله إِنَّك لَو جَلَست فِي صدر الْمَسْجِد ونفيت عَنَّا هَؤُلَاءِ وأرواح جِبَابهمْ يعنون أَبَا ذَر وسلمان وفقراء الْمُسلمين وَكَانَت عَلَيْهِم جباب صوف وَلم يكن عَلَيْهِم غَيرهَا جلسنا إِلَيْك وحدثناك وأخذنا عَنْك فَأنْزل الله تَعَالَى: {واصبر نَفسك مَعَ الَّذين يدعونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي} إِلَى قَوْله: {إِنَّا أَعْتَدْنَا للظالمين نَارا} فَقَامَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلتمسهم حَتَّى أَصَابَهُم فِي مُؤخر الْمَسْجِد يذكرُونَ الله فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَمد لله الَّذِي لم يُمِتْنِي حَتَّى أَمرنِي أَن أَصْبِر نَفسِي مَعَ قوم من أمتِي مَعكُمْ الْمحيا وَالْمَمَات». انْتَهَى وَالله الْمُوفق.
448- الحَدِيث السَّابِع:
عَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَأَلت الله أَن لَا يبْعَث عَلَى أمتِي عذَابا من فَوْقهم أَو من تَحت أَرجُلهم فَأَعْطَانِي ذَلِك وَسَأَلته أَن لَا يَجْعَل بأسهم بَينهم فَمَنَعَنِي وَأَخْبرنِي جِبْرِيل أَن فنَاء أمتِي بِالسَّيْفِ».
قلت غَرِيب بِهَذَا اللَّفْظ وَأقرب مَا وجدته إِلَى هَذَا اللَّفْظ مَا رَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره حَدثنِي عبد الله بن مُحَمَّد بن يزِيد حَدثنِي الْوَلِيد بن أبان ثَنَا جَعْفَر ابْن مُنِير ثَنَا أَبُو بدر شُجَاع بن الْوَلِيد ثَنَا عَمْرو بن قيس عَن رجل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما نزلت هَذِه الْآيَة: {قل هُوَ الْقَادِر عَلَى أَن يبْعَث عَلَيْكُم عذَابا من فَوْقكُم أَو من تَحت أَرْجُلكُم أَو يلْبِسكُمْ شيعًا وَيُذِيق بَعْضكُم بَأْس بعض} قَالَ فَقَامَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَضَّأ ثمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَا ترسل عَلَى أمتِي عذَابا من فَوْقهم وَلَا من تَحت أَرجُلهم وَلَا تَلبسهمْ شيعًا ولَا تذق بَعضهم بَأْس بعض» قَالَ فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ: يَا مُحَمَّد إِن الله قد أَجَارَ أمتك أَن يُرْسل عَلَيْهِم عذَابا من فَوْقهم أَو من تَحت أَرجُلهم انْتَهَى.
وَقد ورد هَذَا الحَدِيث من طرق كَثِيرَة بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة.
فروَى مُسلم فِي صَحِيحه فِي الْفِتَن عَن سعد بن أبي وَقاص عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَأَلت رَبِّي ثَلَاثًا سَأَلته أَن لَا يهْلك أمتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلته أَن لَا يهْلك أمتِي بِالسنةِ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلته أَن لَا يَجْعَل بأسهم بَينهم فَمَنَعَنِيهَا».
قَالَ وَفِي الْمُوَطَّأ مَالك عَن عبد الله بن عبد الله بن جَابر بن عتِيك عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا لأمته بِثَلَاث أَن لَا يظْهر عَلَيْهِم عدوا من غَيرهم وَلَا يُهْلِكهُمْ بِالسِّنِينَ فَأَعْطَانِيهَا ودعا بِأَن لَا يَجْعَل بأسهم بَينهم فَمَنَعَنِيهَا.
قَالَ ابْن عمر فَلَنْ يزَال الْهَرج إِلَى يَوْم الْقِيَامَة مُخْتَصر.
وَرَوَى ابْن ماجه فِي سنَنه نَحوه عَن معَاذ بن جبل.
وَعند النَّسَائِيّ عَن أنس بن مَالك مَرْفُوعا: «سَأَلت رَبِّي ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي شَيْئَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَة سَأَلته أَلا يَبْتَلِي أمتِي بِالسِّنِينَ فَفعل وَسَأَلته أَن لَا يظْهر عَلَيْهِم عدوا من غَيرنَا وَسَأَلته أَن لَا يلْبِسهُمْ شيعًا فَأَبَى عَلّي» أخرجه فِي الصَّلَاة.
قَالَ النَّوَوِيّ فِي الْخُلَاصَة: إِسْنَاده صَحِيح.
وَعند التِّرْمِذِيّ فِي الْفِتَن وَابْن حبَان فِي صَحِيحه عَن خباب بن الْأَرَت مَرْفُوعا: «سَأَلت رَبِّي ثَلَاث خِصَال فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَة سَأَلت رَبِّي أَن لَا يُهْلِكنَا بِمَا أهلك بِهِ الْأُمَم الْمَاضِيَة فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلته أَن لَا يظْهر علينا عدوا من غَيرنَا فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلته أَن لَا يلْبِسنَا شيعًا فَمَنَعَنِيهَا». انْتَهَى.
وَعند أَحْمد فِي مُسْنده عَن أبي بصرة الْغِفَارِيّ مَرْفُوعا: «سَأَلت رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَرْبعا فَأَعْطَانِي ثلَاثه وَمَنَعَنِي وَاحِدَة سَأَلت الله أَن لَا يجمع أمتِي عَلَى ضَلَالَة فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلته أَن لَا يُهْلِكهُمْ بِالسِّنِينَ كَمَا أهلك الْأُمَم قبلهم فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلته أَن لَا يلْبِسهُمْ شيعًا ويُذِيق بَعضهم بَأْس بعض فَمَنَعَنِيهَا». انْتَهَى.
وَعند الطَّبَرَانِيّ عَن عَلّي مَرْفُوعا: «سَأَلت رَبِّي ثَلَاث خِصَال أَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَة قلت يَا رب لَا تهْلك أمتِي جوعا قَالَ هَذِه لَك قلت يَا رب لَا تسلط عَلَيْهِم عدوا من غَيرهم يَعْنِي أهل الشّرك فتجتاحهم قَالَ هَذِه لَك قلت يَا رب لَا تجْعَل بأسهم بَينهم فَمَنَعَنِيهَا». انْتَهَى.
وَعند ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «دَعَوْت رَبِّي أَن يرفع عَن أمتِي أَرْبعا فَرفع عَنْهُم ثِنْتَيْنِ وَأَبَى فِي ثِنْتَيْنِ دَعَوْت رَبِّي أَن يرفع عَنْهُم الرَّجْم من السَّمَاء وَالْغَرق من الأَرْض وَألا يلْبِسهُمْ شيعًا وَألا يُذِيق بَعضهم بَأْس بعض فَرفع الله عَنْهُم الرَّجْم من السَّمَاء وَالْغَرق من الأَرْض وَأَبَى أَن يرفع عَنْهُم الْهَرج وَالْقَتْل». انْتَهَى.
وَفِي هَذَا الْبَاب أَحَادِيث كَثِيرَة وَلَكِن مَا ذكرته أَجودهَا إِسْنَادًا.
وَلم أجد لفظ المُصَنّف إِلَّا فِي تَفْسِير الثَّعْلَبِيّ من غير سَنَد وَلَا راو.
449- الحَدِيث الثَّامِن:
عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لما نزلت {عذَابا من فَوْقكُم} أعوذ بِوَجْهِك فَلَمَّا نزلت {أَو من تَحت أَرْجُلكُم أَو يلْبِسكُمْ شيعًا} قَالَ هَاتَانِ أَهْون».
قلت رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه فِي كتاب الِاعْتِصَام من حَدِيث عَمْرو بْن دِينَار عَن جَابر قَالَ: لما نزل عَلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {قل هُوَ الْقَادِر عَلَى أَن يبْعَث عَلَيْكُم عذَابا من فَوْقكُم} قَالَ: «أعوذ بِوَجْهِك» {أَو من تَحت أَرْجُلكُم} قَالَ: «أعوذ بِوَجْهِك» فَلَمَّا نزلت {أَو يلْبِسكُمْ شيعًا وَيُذِيق بَعْضكُم بَأْس بعض} قَالَ: «هَاتَانِ أَهْون أَو أيسر». انْتَهَى.
450- الحَدِيث التَّاسِع:
رُوِيَ أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لمَالِك بن الصَّيف وَهُوَ من أَحْبَار الْيَهُود وَرُؤَسَائِهِمْ: «أنْشدك بِالَّذِي أنزل التَّوْرَاة عَلَى مُوسَى هَل تَجِد فِيهَا أَن الله يبغض الحبر السمين فَأَنت الحبر السمين قد سمنت من مَالك الَّذِي تُطْعِمُك الْيَهُود؟» فَضَحِك الْقَوْم فَغَضب ثمَّ الْتفت إِلَى عمر فَقَالَ: {مَا أنْزِلْ الله عَلَى بشر من شَيْء} فَقَالَ لَهُ قومه: وَيلك مَا هَذَا الَّذِي بلغنَا عَنْك؟ قَالَ: إِنَّه أَغْضَبَنِي فَنَزَعُوهُ وَجعلُوا مَكَانَهُ كَعْب بْن الْأَشْرَف وَقيل الْقَائِلُونَ قُرَيْش.
قلت رَوَاهُ الطَّبَرِيّ فِي تَفْسِيره حَدثنَا ابْن حميد ثَنَا يَعْقُوب القمي عَن جَعْفَر بن أبي الْمُغيرَة عَن سعيد بن جُبَير قَالَ جَاءَ رجل من الْيَهُود يُقَال لَهُ مَالك بن الصَّيف... إِلَى قَوْله فَغَضب وَزَاد فَأنْزل الله: {وَمَا قدرُوا الله حق قدره إِذْ قَالُوا مَا أنزل الله عَلَى بشر من شَيْء قل من أنزل الْكتاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى} انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ ذكره الواحدي فِي أَسبَاب النُّزُول عَن سعيد بن جُبَير أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لمَالِك بن الصَّيف... إِلَى قَوْله: فَغَضب وَزَاد ثمَّ قَالَ: {مَا أنزل الله عَلَى بشر من شَيْء}.
قلت وَقيل الْقَائِلُونَ قُرَيْش رَوَاهُ الطَّبَرِيّ عَن مُجَاهِد.
451- الحَدِيث الْعَاشِر:
عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رَأَيْت فِيمَا يرَى النَّائِم كَأَن فِي يَدي سِوَارَيْنِ من ذهب فَكَبرَا عَلّي وَأَهَمَّانِي فَأَوْحَى الله إِلَيّ انْفُخْهُمَا فَنَفَخْتهمَا فطَارَا عني فَأَوَّلْتهمَا الْكَذَّابين اللَّذين أَنا بَينهمَا كَذَّاب الْيَمَامَة مُسَيْلمَة وَكَذَّاب صنعاء الْأسود الْعَنسِي».
قلت رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي الْمَغَازِي وَمُسلم فِي الرُّؤْيَا من حَدِيث نَافِع بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قدم مُسَيْلمَة الْكذَّاب عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة فَجعل يَقُول إِن جعل لي مُحَمَّد الْأَمر من بعده تَبعته فَقَدمهَا فِي بشر كثير من قومه فَأقبل إِلَيْهِ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ ثَابت بن قيس بن شماس وَفِي يَد النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِطْعَة جَرِيدَة حَتَّى وقف عَلَى مُسَيْلمَة فِي أَصْحَابه قَالَ: «لَو سَأَلتنِي هَذِه الْقطعَة مَا أعطيتكها وَلنْ أَتَعَدَّى أَمر الله فِيك وَلَئِن أَدْبَرت ليَعْقِرنك الله وَإِنِّي لأرَاك الَّذِي أريت فِيك مَا رَأَيْت». فَأَخْبرنِي أَبُو هُرَيْرَة أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَيْنَمَا أَنا نَائِم رَأَيْت فِي يَدي سِوَارَيْنِ من ذهب فَأَهَمَّنِي شَأْنهمَا فَأُوحي إِلَيّ فِي الْمَنَام أَن أَنْفُخَهُمَا فَنَفَخْتهمَا فطَارَا فَأَوَّلْتهمَا كَذَّابين يخرجَانِ بعدِي» فَكَانَ أَحدهمَا الْعَنسِي صَاحب صنعاء وَالْآخر مُسَيْلمَة صَاحب الْيَمَامَة انْتَهَى.
وَوهم الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فَرَوَاهُ فِي كتاب الرُّؤْيَا وَقَالَ عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ.
452- الحَدِيث الْحَادِي عشر:
رُوِيَ أَن عبد الله بن سعد بن أبي سرح الْقرظِيّ هُوَ الْقَائِل: {سَأُنْزِلُ مثل مَا أنزل الله} وَكَانَ يكْتب لرَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ إِذا أَمْلَى عَلَيْهِ سميعا كتب هُوَ عليما حكيما وَإِذا قَالَ عليما حكيما كتب غَفُورًا رحِيما فَلَمَّا نزل {وَلَقَد خلقنَا الْإِنْسَان من سلالة من طين} إِلَى آخر الْآيَة عجب عبد الله من تَفْصِيل خلق الْإِنْسَان فَقَالَ: {تبَارك الله أحسن الْخَالِقِينَ} فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: «اُكْتُبْهَا فَهَكَذَا نزلت» فَشك عبد الله وَقَالَ: إِن كَانَ مُحَمَّد صَادِقا لقد أُوحِي إِلَيّ كَمَا أُوحِي إِلَيْهِ وَإِن كَانَ كَاذِبًا فقد قلت كَمَا قَالَ فَارْتَد عَن الْإِسْلَام وَلحق بِمَكَّة ثمَّ رَجَعَ مُسلما قبل فتح مَكَّة قيل وَهُوَ النَّضر بن الْحَارِث.
قلت رَوَاهُ الطَّبَرِيّ مُخْتَصرا حَدثنِي مُحَمَّد بن الْحُسَيْن ثَنَا أَحْمد بن الْمفضل ثَنَا أَسْبَاط عَن السّديّ فِي قَوْله تعالى: {وَمن أظلم مِمَّن افتَرَى عَلَى الله كذبا أَو قَالَ أُوحِي إِلَيّ وَلم يُوح إِلَيْهِ شَيْء} إِلَى قوله: {تُجْزونَ عَذَاب الْهون} قَالَ نزلت فِي عبد الله بن سعد بن أبي سرح أسلم وَكَانَ يكْتب للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ إِذا أَمْلَى عَلَيْهِ سميعا عليما كتب هُوَ عليما حكيما وَإِذا قَالَ عليما حكيما كتب سميعا عليما فَشك وَكفر وَقَالَ إِن كَانَ مُحَمَّد يُوحَى إِلَيْهِ.
فقد أُوحِي إِلَيّ وَإِن كَانَ الله ينزله فقد أنزلت مثل مَا أنزل الله قَالَ مُحَمَّد سميعا عليما فَقلت أَنا عليما حكيما فلحق بالمشركين.
وَذكره الواحدي فِي أَسبَاب النُّزُول عَن الْكَلْبِيّ عَن ابْن عَبَّاس بِلَفْظ المُصَنّف... إِلَى قَوْله فَارْتَد عَن الْإِسْلَام.
وَقد ورد فِي هَذِه الْوَاقِعَة أَنَّهَا كَانَت من ابْن خطل رَوَى ابْن عدي فِي الْكَامِل من حَدِيث أَصْرَم بن حَوْشَب عَن أبي سِنَان عَن الضَّحَّاك عَن النزال بن سُبْرَة عَن عَلّي بن أبي طَالب قَالَ كَانَ ابْن خطل يكْتب للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ إِذا نزل غَفُور رَحِيم كتب رَحِيم غَفُور وَإِذا نزل سميع عليم كتب عليم سميع فَقَالَ لَهُ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا: «اعْرِض عَلّي مَا كتبت» فَعرض عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: «مَا هَكَذَا أمليتك!» غَفُور رَحِيم وَرَحِيم غَفُور وَسميع عليم وَعَلِيم سميع وَاحِد فَقَالَ ابْن خطل إِن كَانَ مُحَمَّد نَبيا فَإِنِّي مَا كنت أكتب إِلَّا مَا أُرِيد ثمَّ كفر وَلحق بِمَكَّة فَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من قتل ابْن خطل فَلهُ الْجنَّة» فَقتل يَوْم فتح مَكَّة وَهُوَ مُتَعَلق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة فَأَرَادَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن يسْتَكْتب مُعَاوِيَة فكره أَن يَأْتِي مُعَاوِيَة مَا أَتَى من ابْن خطل فَاسْتَشَارَ جِبْرِيل فَقَالَ اسْتَكْتَبَهُ فَإِنَّهُ أَمِين انْتَهَى.
وَمن طَرِيق ابْن عدي رَوَاهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي الموضوعات وَقَالَ الْمُتَّهم بِهِ أَصْرَم قَالَ البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ مَتْرُوك وَقَالَ ابْن حبَان كَذَّاب يضع الحَدِيث عَلَى الثِّقَات وَقَالَ ابْن معِين كَذَّاب خَبِيث انْتَهَى كَلَامه.
وَقَالَ أَبُو الْفَتْح الْيَعْمرِي فِي أَوَاخِر سيرته عُيُون الْأَثر بعد أَن ذكر حَدِيث ابْن عدي هَذَا إِنَّه وهم وَالْحمل فِيهِ عَلَى من دون النزال وَإِنَّمَا هَذِه الْوَقْعَة مَعْرُوفَة عَن أبن أبي سرح وَهُوَ مِمَّن أهْدر النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَمه يَوْم الْفَتْح كَابْن خطل وَتشفع ابْن أبي سرح بعثمان بن عَفَّان فَقبله عَلَيْهِ السَّلَام بعد تلوم وَحسن بعد ذَلِك إِسْلَامه حَتَّى لم ينقم عَلَيْهِ فِيهِ شَيْء وَمَات سَاجِدا رَحْمَة الله تَعَالَى انْتَهَى.